أجد في السفر ضالتي المنشودة، أعشق تفاصيل السفر الصغيرة والكبيرة في رحلاتي التي اتسمت بالسعادة. أرى في كلٍ بقعة زرتها مكانًا أبديًا ومرتعًا للبهجة والحب. من سوريا، موطني الأصلي، حيث عشت فيها أميزَ مراحل عمري ونهلت منها الكثير من المعارف. هي ملاذي الآمن، نُسَجتُ فيها حكايا الأمل والأصالة، وعراقة الأجداد وقصصهم الدافئة، ومن شرفات منازلها تفوح روائح الورود والياسيمين المَنسيّة. لبنان، لها مكانٌة في قلبي، تتربع على عرش الذكريات، زرتها مراتٍ عديدة، بلد السحر والجمال ببحرها الممزوج برائحة الحضارة الفينيقية، ومعالمها التي أسرتني بمفاتنها وعظمتها. أما بغداد، مدينة الدفء والأمل والماضي الجميل، حيث ولدت وترعرت لسنواتٍ طويلة، هي موطئ الفن والموسيقا والأصالة، إرث الحضارة وعطاءُ دجلة، وبلد العلوم والمعارف، ومصابيح الدجى، وأنت تسير في شوارع بغداد، تتلمس حضارة الأجداد وتسمع حثيث كلماتهم وثقافاتهم وتستشعر عمق معاني مجالسهم المتّسمة بالعلم والتصوف.
في إسطنبول، تكتمل الحكايات وتتبلور، هذه المدينة تأسرك بجمالها الأخّاذ ومعالمها السياحية العميقة الجذور، وثقافة شعبها الممتدة لآلاف السنين. فيها ما تتمنى وما تطلب. سحرتني اليونان، بلونها الأبيض وصفاءها ونقاءها الواسع على امتداد شواطئها النظيفة والجميلة، وأثرت بي حضارتها ورقيها وتمدنها الحديث. وخصوصًا في أثينا عاصمة دولة اليونان الساحرة. في إيطاليا، يمتزج الجمال والحب، على جدرانها الأثرية، تبدع ريشات الفنانين، وتأخذك إلى عوالم من الخيال والعشق الأبدي، والرومانسية. هي قبلة العشاق وساحرة العيون وسالبة الفؤاد ومتعة المشتاق وملاذ الاحباب. في فرنسا بلاد التاريخ والثقافة والأحلام والجمال. تشعر وأنت تمشي في ضواحيها بأنها روح قد خرجت من قبعة الساحر وأعطتك سراً أبديًا التصق في خلايا قلبك وعقلك. في هولندا وفي أعماق الريف الهولنديّ، تكتشف الغابات البكر، تجدها غارقةً بين الزنبق ومنازِل الطوب الأحمر والممرّات المائيّة الجذّابة والأبقار السَّوداء والبيضاء، والطبيعة الساحرة التي تؤثر بك حَدّ الروعة. في اسبانيا، حضارة الأجداد على مر العصور، تاريخٌ أندلسيٌ عريقٌ، حُفِر على جدران مدنها مخطوطاتٍ لحضارةٍ عربيةٍ أصيلة. تعود بك هذه الجدران إلى الأحلام القديمة وأساطير الفن، والموسيقى، والحياة الرغيدة لشعوب عاشت حقبة زمنية فريدة. في براغ، حيث الإبداع في المباني وفن العمارة الذي يمتزج بين الحديث والفن الباروكى وفن عصر النهضة والقوطى وغيرهم.
جميع هذه الرحلات، كانت محطات تعلّمت فيها الكثير عن ثقافات وحضارات مختلفة، صقلت هذه الرحلات من شخصيتي، وجعلتني ما أنا عليه الآن!
هي بداية رحلاتي وختامها، سوريا معقل الأمجاد المتوارثة، من ترابها النقيٌ انبثقت أعظم حضارات البشرية، في سوريا تُتسج الحكايا من عراقة الأجداد وقصصهم الدافئة، وتتزاحم الذكريات بعبقها المنسي على شرفات بيوتها الجميلة، وشعبها المعطاء يتميز بكرمه وطيبة ملقاه وثقافته الواسعة.…
