skip to Main Content

فيلم “الخطّ الأحمر الرفيع”

يأسِر “الخط الأحمر الرفيع” انتباهك من البداية ويشدّك لمتابعته بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة، الفيلم للمخرج الأمريكي من أصل لبناني تيرينس ماليك. عند مشاهدتك للفيلم تشعربأن الحربَ هي انتحارٌ تراجيديٌ للأفراد والمجتمعات، وتدميرٌ للمجتمعاتِ بكلّ مبادئها من أخلاقٍ وقيمٍ وآمال. من جيلٍ إلى جيل في صورةِ ذاكرةٍ مضلّلة تدعو للثّأر والانتقام، وهذا هو الانطباع الأول لدى مشاهدتك للفيلم.

تدور أحداث الفيلم المقتبسة من رواية تحمل العنوان نفسه للروائي (جيمس جونز) بعد معركة بيرل هاربر التي خسر الأمريكيون فيها أسطول الباسيفيكي بتاريخ 7 ديسمبر 1942، في خليج جزيرة غوادالكنال. على أرضِ هذه الجزيرةِ النّائيةِ والبعيدةِ ستَدُورُ أكثر المعارك دمويّة وشراسَة في حروب الباسيفيكي، جزيرة كانت قبل الحربِ جنّةً يعيش فيها سكّانها الأصليون الأبوريجان بسلام.

يسود الفيلم جو مشحون بالتّوتر، بدون تصوير ذلك في المشاهد، وهنا يبدع المخرج في رؤيته لمشكِلَة الحرب، والذي لا يزيد الدّم فيه عن (خطٍ أحمرَ رفيع)، ولكنه يتفجّر في نفوس الجنودِ الشُّبان. ولا نرى أجساماً مبتورة أعضاؤُها ولكننا نشعر برعدة الجنودِ من بَترِ أحلامِهم، إنّهم يحاوِلون فِعلَ كلّ شيء من أجل الانتصار واستئصال العدوِّ الوهميّ، والعدوّ الباطِنيّ، والدّاخلي، والسّلوك البربريّ الجَاثِم في مسَامَاتِ العقل والقلب، يُعيقُ تفكيرَنا وتُرهِقنَا وطأَتُه بشكلٍ يستنزِف فيه طاقاتِنا وإمكاناتِنا بشكلٍ مَهُول. هو ذاتُه العدوّ الذي يحاول (تيرنس ماليك) تفكيكَ هويّتِهِ، يدفعُنا لطرح الأسئلةِ الواعيةِ عَنه، من أين أتى؟ ما مصدره؟ كيف كبر فينا؟ مما يتغذى؟ هل يمكن التحكم فيه؟ ترويضه؟ تطويعه؟ التخلص منه؟ اجتثاثه؟.

تسعى الأفلام السينمائية لهذا المخرج العبقريّ إلى تركِ انطباعٍ جماليّ حول الصّراع الأزليّ للوجودِ الإنسانيّ، هذا الصّراع المتمثّل في ثنائية الموت والميلاد والفوزِ والهزيمةِ والبهجةِ والحزن، وتقديم هذه الثنائيات المتضادّة والشّرسَة بكامل عُريِها وفَداحَتِها، وبكاملِ براءتِها وعذريّتِها أيضاً، ومن دون أن تميلَ لجانبٍ على حسابِ الجانبِ الآخر.

Back To Top