skip to Main Content

مسلسل “غداً نلتقي”

شكّل مسلسل “غداً نلتقي” حالة استثنائية في خارطة الدراما التلفزيونية السورية والعربية، ويبقى السؤال الهام ما الذي جعل هذا العمل استثنائيًا؟

يكاد لا يخلو مقال أو زاويةٍ صحفيةٍ من توصيف المسلسل على أنه بيان لحالة النزوح والتشرّد والتشرذم التي عانى منها المجتمع السوري منذ سنوات، ولكن في مستوىً آخر من القراءة – لا يتعرض هذا العمل لمشكلة النزوح فحسب، رغم تصوير الكاتب للمعاناة الكبيرة التي واجهها أغلبية الشعب بسبب قسوة الحرب وتبعاتها السلبية على الحياة الاجتماعية بكافة تفاصيلها، بل هو أكثر من ذلك، العمل يبحث في علاقات البشر، الذين يتشابهون في المشاعر الإنسانية (في الحب، والرغبة والانتظار والحلم المنتظر). يشكّلٌ (غدًا نلتقي) عملًا متكاملًا يرصد نوازعَ النفس البشرية، ولكن بدلالة فنية كانت أكثر من رائعة بعيدة عن الابتذال والاستثمار بأوجاع السوريين. بالنسبة للشقيقين (جابر ومحمود) واللذان يمثلان وجهان مختلفان، (فمحمود) من وجهة نظر الكثيرين يمثل المعارضة، و(جابر) يمثل الموالاة، وفي قراءةٍ صريحةٍ وصحيحة، يبدو التشبيه أكثر من ذلك، لقد ظهر في فترة الحرب فئاتٍ عاثت فسادً في البلاد، وفئات لمعَ سوقها ونبت لها أجنحة بعد أحداث 2011. (جابر ومحمود) هما: نحن الشعب بكافة أطيافه والذي يجمع الكثير من التناقضات (بانكساراته، برغباته، بآلامه، بانفعالاته المتشابهة إلى حدٍ كبير).

أما وردة، فهي تشبيهٌ بليغٌ لسوريا (الحالمة، الحبيبة، المُشتهاة كصبية بكرٍ تعشق الحياة)، ولكنها تعمل في غسيل الأموات وهي المهنة التي أخذتها عن أمها، وكأن وردة ومهنتها قدرٌ يجّسد الواقع السوري الذي يعيش بين الحياة والموت وانتظار (الحلم)، الذي يتركنا في حالة دهشةٍ أمام شاشةٍ غامضةٍ مثل رؤيتنا وخياراتنا غير المتوازنة. أما (أم ايهاب)، الأم الغارقة في الكثير من الذهول والدهشة والضمير الحي الذي يراقب الأحداث بشيء من العجز والصمت الساكن بين زوايا ذواتنا عند رؤيتها لمشاهد قتل الأبناء لبعضهم البعض. ولا يمكننا تجاهل الدور المتميز الذي يلعبه (تيسر ادريس) في شخصية (أبو ليلى) اليساري الفلسطيني، الذي سرق نقود ابنه ليخسرها في لعبة قمارٍ، وهي تعبير مجازي عن حال أغلبية المثقفين الفلسطيني الذين خسروا ثورتهم ونضالهم في رهاناتهم الخاسرة على أنظمة عربية خذلتهم وتاجرت بدمائهم وتركتهم في دول اللجوء.
أما الدبكة فهي دلالية واضحة عن (نوستالجيا) الحفاظ على الهوية الفلسطينية واستعادة جذورها، أو ربما تكون تلميحات غير مباشرة عن واقعٍ جديدٍ من النزوح ينتظرهم. يمثل (أبو ليلى) شخصية استثنائيةً ومتقنة لعملها في طريقة (اللبس والتسريحة)، هو نسخة حية ونابضة عن اليساري الثوري الذي يحلم بوطن عربي (حرٌ) وبفلسطين (محرّرة)، فأضاف إلى المسلسل لمسة فنٍ فريدةٍ ومعبرةٍ لحدٍ كبير. أما جيفارا فهو شبيه والده، فبين (نوستالجيا الدبكة الفلسطينية)، وبين نشاز صوته في فرقة المنشدين الإسلامية تتجدّد الغربة لديه دائمًا كحلم فلسطيني عتيقٍ لن ولا ينتهي.

(غداً نلتقي) دراما تشبهنا كثيرًا بقوتها الدافعة وحلّمنا المتجدّد لأن نلتقي، ربما اليوم-غدًا-أو بعد حين.

Back To Top