skip to Main Content

فيلم “الحب في زمن الكوليرا”

(الحب في زمن الكوليرا) فيلم مأخوذ عن رواية الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز والتي تحمل الاسم نفسه. تمتد الفترة الزمنية للفيلم منذ 1880 وحتى 1930، وتدور أحداثه في مدينة كاريبية على نهر ماغدالينا في كولومبيا إبان زمن الكوليرا. في روايته (الحب في زمن الكوليرا)، عرض ماركيز قصة حب ملتهبة وحزينة دارت أحداثها في أواخر القرن التاسع عشر في منطقة الكاريبي، حيث تعرّف شاب اسمه (فلورينتينو أريثا)، وهو في الثامنة عشرة من عمره، على صبية في مقتبل العمر تُدعى (فيرمينا داثا)، كان فلورينتينو يعمل موظفًا في وكالة البريد، ومشهورًا في مجتمعه، ولكنه منغمسًا بأمور عملية شغلته عن الحب والعشق، إلى أن رأى (فيرمينا)، بينما كان يقوم بإيصال برقية، فكانت هذه اللحظة شرارة الحب والعشق الذي لم ينتهي حتى بعد مرور نصف قرنٍ. يروي ماركيز في روايته قصّة حبٍ كبيرة ينشأ بين (فلورينتينو أريثا) وامرأة تدعى (فيرمينا داثا) تستمرّ حتى بلوغهما عمر السبعين. تسرد الرواية تفاصيل كثيرة لأحداث حدثت خلال فترة الحرب الأهلية، وقسوة الحرب، ووباء الكوليرا الذي فتك بالناس، والأنكى من ذلك كله قصة الحب العارمة بكل تفاصيلها من شجون العشق ولوعته.

استمرّت قصّة حبّهما بشكلٍ عاديّ ومثالي، مثل أي عاشقين، إلى أن تحوّل هذا الحب بين ليلةٍ وضحاها إلى جحيم، بعد أن علم والد (فيرمينا) بالقصة، وقرّر مغادرة المدينة واختيار زوج مناسب لابنته المراهقة التي تحوّلت بفعل الحب إلى شخص آخر لا يأبه بأي شيء. وفي هذه اللحظة تنقلب الأحداث وتتزوج (فيرمينا) من (خوفينال أوربينو) الطبيب المشهور، لتنسحب من قصة حبها الجارف بشكل دراماتيكيٍ ومأساوي. حاول (فلورينتينو أريثا) العمل بجّد ليصنع اسمًا له بعد سنواتٍ من المرارة والفقدان ويكوّن ثروةً ماليّةً ضخمةً حتى يتمكن من استعادة حبيبته القديمة، وحتى يعيش هذا الحب القاتل بينهما إلى الأبد. تتسارع أحداث الرواية بشكل كبير، إلى أن يلتقي العاشقان أخيراً في جنازة زوج (فيرمينا)، وكان وقتها قد مر أكثر من نصف قرن من الزمان على آخر لقاء بينهما، فينتهز (فلورينتينو أريثا) الفرصة قائلا لحبيبته “لقد انتظرت هذه الفرصة لأكثر من نصف قرن، لأكرر لك مرة أخرى قسم وفائي الأبدي وحبي الدائم”.

يُمثّل (لورينثو داثا)، والد فيرمينا في الرواية، صورة المجتمع المنغلق والمحافظ الذي يرفض بشكلٍ قاطعٍ العلاقات العاطفية ويراها خطيئةً كُبرى، وقد عمد ماركيز من خلال هذه الشخصية الروائية إلى نقل القيم الاجتماعية السّائدة في منطقة الكاريبي في تلك الفترة وما شابها من تسلّط أبويٍّ مطلق يتحكم بكل شئ. يظهِر رفض المجتمع للعلاقات الغرامية بصورةٍ واضحة في المشهد الذي تتسلل فيه إحدى الراهبات إلى حصة درسية وتكتشف أن (فيرمينا داثا) تكتب رسالٍة غراميةٍ إلى عشيقها، وتتسبب هذه الحادثة بفصل (فيرمينا) من المدرسة، ويعلم والدها بالأمر ويقوم باقتحام غرفتها وبتفتيش أغراضها، ويكتشف رسائل الحب بينها وبين (فلورينتينو)، يتوجه الأب المصدوم إلى (فلورينتينو) ويقول له: “الشيء الوحيد الذي أعتَبِرُهُ أسوأ من اعتلال الصحة هو سوء السمعة”. استخدم ماركيز حبكةً سحريةً في روايته، نُسجت من خلالها خيوط من الأمل لا ينقطع حتى في البعد، أو تقدّم العمر. فالحب كما يصوّره ماركيز يدفع (فلورينتينو أريثا) نحو الجنون والمغامرة ونحو قدرٍ مجهولٍ بحبيبةٍ لا يعلم عنها إلا القليل ومع ذلك بقيت صورتها الذهنية راسخةً في مخيّلته وعمل جاهدًا على أن يسترجعَ هذه المشاعر الطاغية من جديد بعد نصف قرنٍ من الانتظار تقريبًا.

لقد عمل ماركيز في روايته على التلاعب بالفضاء الزماني للنص ليُبقي القارئ أو المشاهد في حيرةٍ من أمره، ففي أقل من دقيقة يجتمع (فلورينتينو أريثا) مع حبيبته وكأنه ضرب من الخيال، وهذه محاولات جيدة لشد انتباه القرّاء إلى تسلسل الأحداث القادمة. لقد عمل ماركيز ومن خلال روايته على تصوير حقيقة الحب الحقيقي، وكيف يمكنه أن يقلب الموازين في غمضة عين، فيحول الإنسان القاسي إلى هادئ ورومانسي، ويغيّر من تفكير الأشخاص بشكلٍ أكثرَ إيجابيّة ليتمسّكوا بحُلُمهم والذي –بدون أدنى شك- سيتحقق وإن طال البعد والغياب وقَسَت الأيام.

Back To Top