skip to Main Content

الصورة بِألفِ كَلِمَةٍ

غَدَتْ تجليّات الصورة بكلِّ تَفَاصِيلها تَتْبَعُ إنسانَ العصْرِ الحَدِيثِ، وتُلاحِقُهُ، فَقدْ أَصبَحَتْ الحدَاثَةُ الآنَ بعنوانِها الرئيسٍ (صورةً)، لأنّها تدخلُ كلَّ بيتٍ، وتَقتحمُ حَياة كلِّ إِنسانٍ، بطرق متعددة كالتلفازِ أو شبكة الإنترنت، أو وسائط عرضِ الصورة الأخرى.

وأصبحتِ الصورة بكلِّ أشكالها وسيلةً للتعبيرِ عن كلِّ ما يخصُّ الحياةَ بِعمومها وخصوصها، فعُمِدَ إلى تَطويعها لتحقيق أكبر استفادةٍ منها، وهي التي كانت وسيلةً للتعبيرِ عن كلِّ ما يجولُ في خاطرِ الإنسانِ، لتغدو مع الوقتِ أداةً لاستعبادِهِ، وحَصرهِ في زواياها. وتُعُّد الثقافة البصريّة في عصرنا من أهمِّ الثقافات التي يجبُ على الإنسان العربي الاهتمامُ بِها، نظرًا لأهميتها في مواكبةِ التَطوّرات العلميّة والتقنيّة، والقَفزات الشّاسَعة، والتّي تُعبّرُ الصورة عنها بلا كلماتٍ. وَيُمكنُ أن نلحظ ببساطة أهميّة الصورة بِكَونها أضَحت مَسرحًا للنّقاش وعرضِ الآراء، فهي صاحبةُ السّبق في تشكيل الأفكار، وكَسرِ الحَواجز، وتَحطيم نمطيّة كثير من المعتقدات والأعراف.

وتحتاج الرؤية بشكلٍ دائمٍ إلى التطبيع مع مجموعاتٍ بشريّةٍ مختلفةٍ في مجال الثّقافة، والعمل والسلوك، ونقصد بذلك المعنى (الأنتروبولوجي) للمفهومِ الثّقافي. ولعلّ الثقافة البصريّة بحاجةٍ إلى التعريف بها، وما المقصود منها ؛ فعندما نقول «علينا امتلاك الميكانزمات التي تتحكم في عمل الصورة للتعبير عن قضيّة ما» فنحن نقصد بالطّبع ما يصطلح عليه بـ (مفهوم الثقافة البشريّة). كما يجبُ أن نفهمَ أنَّ العملَ الدائمَ والبحثَ عن أفضلِ الطّرقِ لإيصال المقصود من الصورة، ونشره إلى أكبر شريحةٍ من المتلقين بإيحاءات غير متناهية هو جزء لا يتجزأ من ثقافة الصورة. مع الأخذ بالعلم أنَّ الصورة لم ولن تكون بريئةً، فهي حمّالةُ أوجهٍ، وتحتاج إلى كثير من البحث والتدقيق، لأنّها تعبّر بلقطة واحدة عن آلافِ الكلماتِ دونَ أنْ تنطقَ بحرفِ واحدِ.

ومواجهةُ الواقع بالطريقة المثلى لا تكونُ إلّا مع صورةٍ تُهاجم المُتَنَاقِضات، فتحضير الصورة (المُغيّرة) يكون بعدد من الإخراجاتِ المتنوعةِ التي تدخل في صُلب التواصل البصريّ، وهي الأساسُ الذي يعتمد عليه العمل السينمائي، والذي يعدّ التفكير البصري من أهمّ مقوّماته لمواجهة الواقع عبر ما يَحْملُ في جُعْبتِهِ من أدواتٍ إجرائيّة تقتضيها الحالةُ السّينمائيّة. وهذه الأدوات الإجرائيّة لا بدَّ لها من أن تمرّ بثلاث مراحل رئيسة: السيناريو، الإنجاز، المونتاج. ويمكنُ القول بأنَّ السيناريو هو الأساس الذي يقوم عليه العملُ بأكملهِ، لتأتي بعده مرحلة إنجاز العمل، وهو ما يصطلح عليه بـ (التحقيق الفعلي) ليحينَ بعده مرحلة المونتاج، وهي آخر مرحلةٍ قبل إنهاء العمل وعرضه على المتلقي.

ويمكن القول إنَّ للصورة طرقًا عديدةً تصل عبرها إلى عقل المشاهد، سواء عن طريق التفاعل الحيّ كما في المسرح، أو بالاعتمادِ على تشكيلاتِ اللّون والإضاءة والتّصوير الفوتوغرافي كما في فنون الرسم والعمارة، لتنقل المشاهِدَ من مكانه الحاليّ إلى أماكنَ أخرى، بلحظة سحريّة من خيال عقلٍ مدهشٍ أبدعَ (صورةً).

رامي مكي

Back To Top