«أَنا أعرفُ». تلكَ كَانَتْ عِبَارَةُ طارق أَحَد أبطالِ فيلم "بيروت الغربية"، حِيْنَ أخبرتْهُ أمّهُ أنَّها…
كولونيا Colonia نَظْرة مسلّية عَنْ «مُسْتعمرة الكرامة»
كولونيا فيلم جديد للمُخرج الألماني «فلوريان جالينيرجر». يُعِيدُ رواية قصّة انقلاب الجنرال «أوغيستو بينويشيه» في تشيلي «إحدى دول أمريكا اللاتينيّة» مِنْ وجهة نظر صحفيٍّ يَساريٍّ عاشَ تجربة الاعتقال، وجزء من المعاناةِ التي أعقبت الانقلاب على الرئيس المُنْتَخب «سلفادور اللّيندي».
اعتمد سيناريو الفيلم على شَخصيتين رئيسيتين: البريطاني «دانييال برول» بدور «دانييل» أو «هانز»، والبريطانية «إيما واتسون» بدور «لينا»، اللذين عاشا قصّة حبّ ومعاناة ليخرج الفيلم من غرضه الأساسيّ، إلى سلسلةٍ من المطارداتِ للوصول إلى النتيجة المتوقّعة. ويَبدأ الفيلم بلقاء بين حبيبين «لينا» مُضيفة الطيران، و«دانييل» الذي يَعمل مصوّرًا للثّوار التشيليين وصانع الصورة لديهم عشيّة انقلاب «بينوشيه»، حيث يَتُمُّ اعتقال «دانييل» وإرساله إلى «كولونيا دينغراد» مُستعمرة الكرامة التي تَقَع على بُعْدِ 360 كيلومترًا جنوب سينتياغو، لتبدأ «لينا» رحلة البحث عَنْهُ، وإنقاذِهِ، على الرغم من تَخاذل الجميع عن مساعدتها حتى رفِاقه الثّائرين، لتقحم نفسها داخل جدران تلك المستعمرة، وتعيش أهوال حكمها، والذي يُصوّرها الفيلم على أنّها قومية دينيّة يقودها رجل يدعى «بول شانيل»، وهو من شبيبة «هتلر»، وهي عبارة عن غطاء، لتصنيع السّلاح والغازات السامة، بالإضافة إلى كونها مركزًا لتعذيب المعارضين.
يلتقي الحبيبان داخل المستعمرة بظروف دراميّةٍ مُفتعلة، وتبدأ رحلة البحث عن النجاة، لتنتهي بعد 132 يومًا من دخول «لينا» المستعمرة، برحلة إنقاذٍ مليئةٍ بالثغراتِ الدرامية، والنهاية السعيدة التي تُعِيْدُ الحبيبين إلى «فرانكفورت» على متن طيارة تتحدى حرس «بينوشيه»، وتطير عائدة بهما إلى أرض الوطن رغم تواطؤ السّفارة الألمانية مع حكومة الانقلاب، ليكشف بطلا الفيلم عن تلك الجريمة الفظيعة التي كانت ترتكب دون أن يُحرّك العالم ساكنًا. لكن ماذا قدّم لنا الفيلم باستثناء الإضاءة على «مستعمرة كولونيا» وما يجري فيها من انتهاكات؟ لقد بدأت المشاهد الأولى للفيلم بِعرضٍ عَبْرَ شاشة حمراء لأحداث تاريخيّة أطّرت الحدث على أنّه صراعُ قوى عالميّة كبرى، حول ما كان يُعْرَف بالمدّ اليساري لدول أمريكا اللاتينيّة، لكن بُعَيْدَ الدخول في أحداث الفيلم الأساسية يَتَغَيّرُ مسار الفيلم، لتروي تلك الأحداث قصّة «دانييل ولينا». ورغم الاعتماد على ممثلين شهيرين أدّيا أدوارًا رائعةً في أعمال سابقة، لم يكن هذا الفيلم من ضِمنها، وزاد من سوءِ الأداء افتقار السيناريو إلى حبكةٍ دراميّةِ احترافيّةِ، وامتلائه بالثغرات بدءًا من المشاهد المُسَخَّنَة لحبيبين عاشقين فُوجِئا بما حدث، وحادثة الاعتقال المُفْتعلة، فالعاشقان عبرا شوارع سنتياغو دون أن يعترضهما أحد رغم أن الشرطة كانت تعتقل جميع الناس الموجدين في الشارع! إلى أن لَمَحَ أحد رجال الشرطة «دانييل» الفضولي يحاول تصوير الحدث بـ«كاميرته». وعلى الرغم من اعتقال «دانييل» بعد أن تَعرّف عليه أحد المُخْبرين، فقد استطاع أنْ يخدع الجميع بدور أبله، وأن يغيرَ اسمه أيضًا! ويُضاف إلى ذلك قُدْرَتُهُ المذهلة على تقييم ما يحدث في المستعمرة وتحليله للحالة النفسيّة التي بُنِيَ عليها النظام الاجتماعي فيها، وتَفْسِيره هذه المعرفة «بما يقصّه عليه رجال المستعمرة»، وتحطيمه أدوات تعذيبه المخبّأة تحت الأرض دون أن يَكْتَشِفْ أحد ماذا حدث؟ والفِرَارُ وقطع كل تلك المسافة دون أنْ يُعْتَرض.
ورَغَمَ كَوْنِ الفيلم يَتَحدّثُ عن أحداثٍ حقيقية جرت في تشيلي، إلا أنَّ العمل لم يستطعْ الرّبط بين ما يحدث في المستعمرة، وما كان يجري على أرض الواقع خارجها. وقد دافع مُخرج الفيلم «فلوريان جالينيرجر» عن عمله بقوله: «أردنا تقديم عمل مسلِّ، ولكنّه يحمل معنى في الوقت ذاته، ولم نسع إلى تقديم درس في التاريخ». وقد كان محقًا، لكن التسلية والتشويق كانا ليصبحا أكثر لو أُعيد إنتاج السيناريو بشكل آخر بعيدٍ عن تنميط الشخصيات وتسطيحها، أو الاعتماد على عمل روائي يُعطي مسارًا أجمل للأحداث تتفاعل مع المُشَاهِدِ وتَشُدّهُ، كما في عمل سبقه بسنوات «منزل الأرواح» المأخوذ عن رواية الكاتبة التشيليّة «إيزبيل الليندي»، والذي أعطى صورةً أكثر صدقًا وواقعيةً، دون أن يخلو من التشويق، لما حدث في تلك الحقبة برؤية درامية أكثر عمقًا وحرفيةً.
رامي مكي