يحكي فيلم “العرّاب” تاريخَ نشأةِ «المافيا» في إيطاليا وكيف تأسست على يد العرّاب “فيتو كورليوني”، ويستعرض قصّة حياته بدءاً من قتل والده على يد أفراد العصابات وكيف كرّس حياته كلّها للانتقام من قَتَلَةِ والديه وإخوته، ثم كيف انتقل للعيشِ في أمريكا وأصبح عرّاب العائلةِ الكَبير، حيث يشهد العديدَ من الصّراعات الإجراميّة بين العائلات. تمّ توريث ابنه (مايكل) رئاسة العائلة من بعده ليبدأ عصراً جديداً من حياة العائلة.

السبب وراء شهرة الفيلم هو شخصية دون كورليوني التي تستطيع الجمع ما بين اللّين والعُنف، والرأفة والقسوة، والثبات على مزيج من المبادئ منها دمويّ والآخر يمتثل إلى الفضيلة والأخلاق، لقد جمعت شخصية مايكل كلّ تلك التناقضات بخيرها وشَرّها، فكانت المحرّك الأساسي في الفيلم. كذلك نرى الدون فيتو كورليوني المحبوب من جانب أطفاله وأحفاده وأصدقائه، فقد كان كثيراً ما يجلس مع عائلته لتناوُلِ العشاء معهم كما يقوم بدوره في حمايَتِهم ونُصحهِم. تعدُّ هذه التّفاصيلُ الممتِعَةُ بعيدةً عن الطّرح النّمطي لأفلام عصابات المافيا. صقلية بالنسبة لمايكل هي أكثر من مجرد مكان للاختباء، إنها ترتبط بجذورِهِ وطفولتِه واسم عائلتِه “كورليوني”، ويمكننا أن نرى جميع المعاني التي يحملها هذا المكان في الطّريقة التي اختار كوبولا أن يُصوّره بها، وحتى في العلاقة التي ستَنشَأ فيه بين مايكل وأبولونيا.

عِوضاً عن الغرفِ المغلقةِ ذاتِ الإضاءةِ المُعتمة التي جرت فيها أحداث الفيلم السينمائي في أمريكا، تجري معظم مشاهد الفيلم في صقلية في الهواء الطلق تحت سماءٍ واسعةٍ وشمسٍ وبحر، وتصويرٍ مكشوفٍ للوجوهِ والعيون، لا تغلّفُهَا بُقعٌ من ظلام. فصقلية توحي ببرَاءة الجذور، وتَختَلفُ عن عوالمِ الفسَادِ والجَريمَة التي ترمِز لهما أميركا. هُنا كلّ شيء عَتِيق الطّراز وأصليّ( البيوت والملابس والعلاقات بين الرجال والنساء)، كل شيء يتبع تقاليد قديمة لم تصل إليها يد التغيير بعد، لذلك فصقلية هي المكان الأمثل ليتشرب مايكل إرثَهُ القديم التّقليديّ بخيرِه وشرِّه، ذلك الذي طالما تهرّب منه في أميركا التي كان يكن لها انتماء يفوق انتماءه لتاريخه وعائلته. الفيلم ليس مجرد صراع بين عصابات المافيا الإيطالية، ولكنه يعكس جميع المشاعر الإنسانية والتي تم إسقاطها على حياة المافيا الإيطالية والعصابات الأخرى في أمريكا، متمثّلة في عائلة “فيتو كورليوني”.