في مسلسل “الندم” ربّما كان متاحاً لـ «عتبة الألم» أن تقرأ قراءة مغايرة لو لم…
مسلسل “الفصول الأربعة”
مما لاشك فيه أن الأعمال الدرامية في فترة ما قبل الأزمة السورية قد قدمّت نماذجَ مشرّفةً ومتميزة بشكلٍ لافت، ولن تصحو الدراما السورية حالياً من كبوتها إلا إذا تيمّنت بهذه الاعمال ورقيها الموصوف. ومن أشهر المسلسلات (الفصول الاربعة)، والذي صُنّف بأنه أفضل مسلسل بتاريخ الدراما السورية. قد يبدو غريبًا بعض الشيء، كيف لنا ان نتعلق بأحداثٍ، مضى على إصدارها أكثر من عشرين عام مضى، ولكن بفضل الكمّ الهائل من التدوينات والحضور الدائم لأصحاب العمل على السوشال ميديا، والذي دفع الكثيرين من محبي هذا العمل الكبير إلى إعادة استرجاع مشاهد وأحداث المسلسل من جديد، بطريقةٍ يغلب عليها طابع نوستالجي، هذه النوستالجيا العجيبة نابعة من شحنة عاطفية وحنين كبير للفترة من (2000-2002) ولأوقاتٍ جميلةٍ ولحظاتٍ هانئة.
تدور أحداث مسلسل الفصول الاربعة حول عائلة دمشقية، ينتمي إليها أربعة أجيال: يعيش كريم (خالد تاجا) وهو عميد الأسرة مفتونًا بذكريات ماضيه الجميلة وفن العصر الذهبي، ولديه الكثير من المقتنيات العتيقة (الراديوهات، الاسطوانات وغيرها). أما زوجته (نبيلة النابلسي)، فهي الأم المثالية التي يلجأ إليها جميع أبنائها، وتعيش في نفس البيت أيضًا العمة جميلة (هالة شوكت)، هذا الجيل يمثل الأصالة والماضي الجميل. أما الجيل الثاني فهم بنات كريم وأزواجهن، وهم يمثلون شرائح اجتماعية مختلفة، فمثلًا فاتن (سلمى المصري)، وزوجها (سليم صبري) ينتمون إلى الطبقة الارستقراطية الغنية، أما ماجدة (مها المصري) وزوجها نجيب (بسام كوسا) فيمثلون شريحة الموظفين ممن يسعون وراء لقمة العيش، وشادية (ليلى جبر) وزوجها برهوم (أندريه سكاف)، فهم ينتمون إلى الطبقة الفقيرة، في حين يمثّل كلّ من (يارا صبري) و(جمال سليمان) الفئة المُثقّفة التي تحاول أن تقدم طروحات وأفكار جديدة ونصائح للجميع. بالنسبة للجيل الثالث، فهم جيل الشباب أحفاد كريم ونبيلة، والذين يمثلون حالة واقعية عاشها الكثير من الشباب من ضياع وعدم استقرارٍ عاطفي وتفاوت ثقافي، فترى (ميلاد يوسف) المتعلّم المهووس بالكمبيوتر، ومازن (رامي حنا) اللاهث وراء النساء والسيارات بسبب الثراء الفاحش، بينما سوسو (ديما بياعة) ومايا (رباب كنعان) صبايا يتنافسن على قضايا عصرية ومواضيع تافهة ما بين فكر الفتاة المتوسطة والفتاة الغنية. وأما الجيل الرابع، فيقتصر على شخصية الطفلة نارة (روعة السعدي).
لقد ناقش حاتم علي بملحمته الرائعة (الفصول الأربعة) العديد من المواضيع والقضايا الاجتماعية بأسلوبٍ يتراوح بين الكوميديا والواقعية الاجتماعية من خلال نسيجٍ اجتماعيٍ يجمع عائلة (الفصول الأربعة)، والتي تختلف بأفكارها وآرائها ولكنها تلتقي في النهاية في حضن العائلة ودفئها فتتلاشى الفروقات الفكرية بفعل الانتماء العاطفي. يتميز مسلسل “الفصول الأربعة” ببساطة الحوارات ودفئ المشاهد وانسيابية الأحداث، ليصبح حديث الشارع السوري بجميع أطيافه والركن الجميل الذي ينتظرونه مجتمعين على أمل جميل بلحظات غامرة بالحب الكبير.