skip to Main Content

مسلسل “قلم حمرة”

عادةً لا تستهويني مشاهدة الكثير من المسلسلات، ربما بسبب النمطية والتكرار في طرح المواضيع، ولكن لا أخفيكم سرًا بأن الدراما الاجتماعية “قلم حمرة” جعلتني مسكونًا بها، والتصقَت في مخيلتي حتى بعد الانتهاء من مشاهدتها، وهذا أيضًا حال الكثير ممن شاهد هذه الملحمة التاريخية. لقد قدّمت الكاتبة يم مشهدي من خلال كتابة سيناريو “قلم حمرة” دراما عميقة الأثر في الوجدان، لامست الأحداث التي عايشها السوريّون خلال السّنوات الأخيرة، ولعِبَت على تفاصيلَ صغيرة لحالاتٍ إنسانيةٍ من كافة أطياف المجتمع خلال الحرب. تحدّثت عن المشاكل القديمة، والتغييرات الجنونية التي حصلت بشكل فُجائيّ في الحياة، عن حال الطبقة الوسطى المثقفة وما آلت إليه حياتها من تصدّع وانهيار لم يسبق له مثيل، وتطرّقت الكاتبة إلى مواضيع بكل احترافيةٍ وجرأة، مثل: “المثلية الجنسية، حالة الاحباط، والبطالة، وملل الزواج، والزواج من دينين مختلفين، والهوية والمواطَنَة وقضية اللجوء”.

أما عنوان الدراما، فهو تعبير مجازيٍ عن الأقنعة التي يضعها الأشخاصُ دومًا، عن شغفهم في أن يكونوا مثل هذه الأقنعة، ربما لرغبتنا الشديدة في أن نكون الشخص الذي نحب بعمق فلسفيٍ تم طرحه من خلال أسئلة وإجابات أبطال هذا المسلسل، وفي قالبٍ بسيطٍ كأنه نداءٌ إلى العقول الطامحة فقط للتفكير بشكل أكثرَ عُمقاً وتمعُّناً للتوصّل إلى إجاباتٍ وتصوُّراتٍ منطقيّة عن تسلسل الأحداث خطوةً بخطوة. لقد أبدعت النجمة سلافة معمار في تجسيد وأداء شخصيةٍ متراكبة، وهي ككاتبةِ سيناريو تدور الكثيرُ من التّساؤلات في مخيّلتها وتبحث دائمًا عن الحلقة المفقودة، حيث ينتهي بها المطاف في زنزانةٍ أخذت حيزًا كبيرًا من حياتها وتفكيرها، لتتركنا في بحرٍ من التّساؤلات العميقة التي مازالت تدور في أذهاننا ولا نجد لها أجوبة وكأّنها حلقةٌ تدورُ وتدور، ومن هذه الأسئلة موضوع “الهوية والذات”.

الحقيقةُ تُقال أن سلافة معمار بأدائها المتميّز نقلتنا من حيّز زنزانتها الضّيّق إلى آفاقٍ جديدةٍ أكثر اتساعاً من سجنها، حيث قامت بالتركيز على البعد الاجتماعي والنفسي للشخصية، في رحلة التّعرف على الذات والحياة من جديد، فأحيانًا كانت تلقّننا الإجابات بشكلٍ مباشر، وأحيانًا أخرى تخرجنا عن إطار التفكيرالعادي، لنبدأ رحلة اكتشاف ما هو خارج الصندوق بطريقةٍ مبتكرة وغير مألوفة. أما الموسيقى التصويرية فيمكنني القول بأنها من أجمل ما سمعت، فهي تأخذك إلى عوالمَ لم تألفها من قبل، وتوقظ في نفسك المشاعر والأحاسيس بطريقةٍ متناغمةٍ وانسيابيةٍ، أما الممثلات فكن بغاية البساطة ولم يتكلّفن بوضع المكياج، ونلاحظ هذا جليًا في تصرفات سلافة معمار العفوية، فهي لم تستطع غسل وجهها لفترات طويلة ولم تغتسل وهي في الزنزانة، ورفضت وضع الحمرة حتى آخر حلقة من المسلسل. ما زلت أتذكر وأنا أكتب هذه المقالة جمال الموسيقى المصاحبة للمسلسل والأفكار والمشاعر العميقة التي ما زالت منطبِعةً في مخيّلتي عن الحياة، والوجود، والهوية، والنفس البشرية. وأجزم بأنني لن أنسى هذا العمل، على الأقل ليس لفترة زمنية قصيرة.

Back To Top